تأملات رمضانية: هل سيحمل لنا رمضان هذا العام معان جديدة ؟
نادر شاه حسين (نائب رئيس مجلس أمناء معهد الجامعة للطالبات)
لقد هلّ علينا شهر رمضان من جديد، شهر الخير وشهر القرآن وشهر المغفرة والرحمة والبركة……ومن الطبيعي جدا أن يتسائل كل مسلم بشئ يخطر على البال وهو: ما الفرق بين رمضان الحالي ورمضان الذي مضى ؟؟؟ أليست آية وجوب الصيام في القرآن الكريم ما زالت ثابتة ولم تطرأ عليها أي تغيرات أو حتى نسخت ؟؟؟ ألم يكن الجدل حول مواعيد الصيام في جميع أنحاء الدول وخاصة ما بين أحزاب الأمة الإسلامية ما زالت مختلفة حسب طريقتهم في الرؤية والحساب كما في العام السابق ؟؟؟
هل الأجواء الرماضية من الترحيب بقدوم الشهر الفضيل، وتنظيم أوقات السحور، وتنظيم أوقات الإفطار، وتنظيم أوقات التراويح جماعة، سواء أكانت في الأماكن العامة كالمساجد أو في البيوت ما زالت كما هي كالسنوات الماضية ؟؟؟ فيا ترى ما الذي يختلف في رمضان هذا العام ؟؟؟
في عام 2023 وقبل قدوم شهر رمضان المبارك، صُدم الجمهور من خلال الأخبار التي نشرت في الصحف والتلفاز ووسائل التواصل الإجتمعاعي بمظاهر وأشكال التباهي بالرفاهيات والبذخ والترف من قبل المسؤولين في هذه الدولة وعائلاتهم. فهل سنرى تغيرات جذرية في محتويات وسائل التواصل الاجتماعي لهؤلاء الأشخاص مع ما يتم نشرهم من أحداث ومظاهر دينية مختلفة في شهر الصيام؟
ومع اقتراب شهر الصيام، صُدم الجمهور أيضًا بحدث تسود له الوجوه، وهو أن هناك مزاعم قوية تتعلق بقضية غسل الأموال التي تجاوزت 300 تريليون روبية إندونيسية، والتي تورطت فيها العديد من الوزارات. هذا ليس مبلغًا عشوائيًا ولا هينا. لأنه من المستحيل جدا صرف هذا القدر الكبير من المبالغ المالية فقط لدفع العيدية السنوية للموظفين، وبدلات العطلات وغير ذلك. فهل ستختفي هذه الحالة ؟؟؟
ناهيك عن أننا قد شاهدنا أيضا في الآونة الأخيرة عن قضية محاكمة أحد ضباط الشرطة الذي يقال أنه طلب رسومًا من مافيا المخدرات وقدرها 100 مليار روبية إندونيسية لتمرير طن واحد من الميثامفيتامين قبل حلول رمضان، والحقيقة بالطبع لا يزال يتعين إثباتها في المحكمة. ومع ذلك، فقد اتضح أنه من السهل جدًا في بلدنا تدفق الأموال وتغليسها بغض النظر عما إذا كانت مصدرها حلالًا أم حرامًا.
إذن، أكرر سؤالي مرة أخرى، ما الذي يميزنا صيام هذا تاعام عن الأعوام السابقة ؟ بمعنى آخر، ما هي التجربة الروحية الجديدة التي سنعيشها في هذا الشهر الكريم بعد أن أفزعتنا لمثل هذه الأحداث المشينة والدنيئة التي لا تشرف المجتمع ولا البلاد ؟
أغلب هذه القضايا والمشاكل الكبيرة التي تحدث حولنا تنبع وتصدر من عدم قدرة الإنسان في التحكم على النفس والرغبة الزائدة الشديدة في التملك. فالجشع والطمع والبذخ والترف والمظاهر الخارجية الخلابة الخادعة هي جزء من كبرياء النفس والذات التي يجب علينا أن نتحكم فيها بكل قوة. إذن ما هو الدوافع الإيجابية التي يجب علينا استغلالها لكي نتمكن من التحكم على هذه النفس الأمارة حتى يكون شهر رمضان هذا العام أكثر فائدة ؟
“كثرة الطعام تميت القلب كما تميت كثرة الماء الزرع” هكذا ما قاله الصحابي الجليل علي ابن أبي طالب رضي الله عنه في الأثر.
وكما أوضح الإمام الغزالي في كتابه منهاج العابدين: ” أن كل ما يتناوله الإنسان من مأكل ومشرب ويرتديه من ملبس وغيره ينعكس على جميع أفعال الإنسان وكلامه، فإن كان الذي دخل في جسده حراما فما خرج حرام أيضا. وإذا أدخل على الجسد أشياء مفرطة وزائدة عن اللزوم ، فإن ما يخرج منه أيضا مثله”.
لقد عاد إلينا شهر رمضان الكريم هذه السنة من جديد، ليذكرنا بأن سلامة ونجاح كل إنسان في هذا الكون لن يتحقق إلا من خلال القدرة على كبح رغباته وشهواته، فالأكل والشرب والجنس كلها غرائز طبيعية يجب علينا التحكم عليها بكل حكمة بالغة. فهكذا يفترض أن تقوم جميع الحواس الخمس بهذا المهام العظيم، وكذلك عقولنا وقلوبنا أيضا.
سائلين المولى جل وعلا أن يجعل رمضان هذا العام أكثر بركة للجميع . مرحباً يا رمضان !