الصوم أفضل وسيلة لصفاء القلب من شتى أنواع الشوائب
كن حذرا، أو خذ الحذر، أو إنتبه…… هذه هي العبارات التي كثيرا ما نسمعها ممن حولناعندما نبدأ بالقيام بأي نشاط، فهذه العبارات مفعمة بالمعاني الجيدة والرسائل المهمة، بصرف النظر عما إذا كنا فعلا أخذنا بالأسباب والإحتياط في أداء الواجبات – كما نصت في العبارة – فهي في نفس الوقت تؤكد عن ضرورة إستخدام القلب (ضمائرنا) في مواجهة الحياة، فهو منبع الإحساس والحدس، لأنه وللأسف الشديد غالبا ما يهمل الإنسان هذا الجزء الصغير المهم وسط زحمة الروتين اليومي.
تطلق على الضمير في معجم اللغة العربية أيضا بالقلب، وهو الجزء الأساسي والأهم من الأعضاء الداخلية لدى الجسم البشري، فالمعنى الظاهري للقلب هو التقلب أو التغيير، وسميت بذلك نظرا لأن طبيعة القلب دائما متقلب وغير مستقر في حالة واحدة. وأبسط مثال على ذلك هو عدم إستقرار الحالة الإيمانية لكل واحد منا، تارة ما يكون مستوى الإيمان لدينا في أقوى حالة ومرتفعة جدا، وتارة العكس تنقلب من المستوى الأعلى للأدنى في غمضة عين. وأيضا تتقلب أحوال القلب من السعادة إلى الحزن والعكس، وما إلى ذلك وهلم جرا. فالقلب هو جوهرة الحياة البشرية سواء من الناحية الفيزيولوجية (البدنية) أوالروحية. فلقد أشار إلى ذلك أفضل الخلق نبينا محمد عليه الصلاة والسلام قائلا: (ألا وإنَّ في الجَسَدِ مُضْغَةً، إذا صَلَحَتْ، صَلَحَ الجَسَدُ كُلُّهُ، وإذا فَسَدَتْ، فَسَدَ الجَسَدُ كُلُّهُ، ألا وهي القَلْبُ) رواه مسلم.
السؤال الآن هو كيف يحافظ الإنسان على ثبات قلبه وسلامته من التقلبات والتغيرات لكي يتمكن من مواصلة السير دائما على الطريق الصحيح حتى ينال صاحبه ولو جرعة بسيطة من السعادة ؟
إجابة على هذا السؤال قال العلماء أن هناك طرق عديدة في الحفاظ على سلامة القلب من التقلبات، ولكن سنذكر طريقتان فقط من باب الأفضلية وهما، الأولى: معرفة أسماء الله تعالى بكل صفاته حق المعرفة. الثانية: معرفة وفهم طبيعة الإنسان وشخصيته، خاصة من الناحية الطباع أوالصفات الجيدة والسيئة لدى الشخص. ولمعرفة المزيد من هاتين الطريقتين بالتفصيل فالعلماء الأفاضل – جزاهم الله أحسن الجزاء – ألفوا كتبا كثيرة، ففيما يتعلق بالطريقة الأولى فسنجده في كتب العقيدة وكتب علم الكلام، وفيما يتعلق بالطريقة الثانية فسنجده في كتب الرقائق وكتب التصوف.
صرح الإمام الغزالي في كتابه إحياء علوم الدين إشارة إلى القلب بأنه كالمرآة، بمعنى أن المرآة تتعرض للغبار والأوساخ والأتربة بشكل يومي، فكلما تنظف تلك المرآة كلما ازدادت لمعانا وبراقة لدرجة أنها ستعكس الضوء أمامها بشكل مثالي، فكذلك قلب الإنسان، دائما ما يتعرض للتلوث بالذنوب والمعاصي سواء عن قصد أو لا، فعلى سبيل المثال الحسد والغيرة والكبرياء والتملق وحب الماديات وما إلى ذلك، كل هذه الأشياءهي سلسلة من الأوبئة التي غالبا ما تهاجم الضمير ويتعرض لها القلب، فحينما يتساهل الإنسان في تنظيف تلك الشوائب من قلبه ولا يأخذه بعين الإعتبار على أنها خطيئة، حينئذ من الصعب جدا على القلب إختراق تلك الأضواء التي تتشكل من المعارف الإلهية (العلوم الإلهية) والمواهب الربانية (نعمة الله).
من ضمن الأسباب الرئيسية التي تؤدي إلى صعوبة القلب في خرق تلك الأضواء وانعكاسها بشكل جيد هو الإهتمام والإنشغال الزائد لدى الإنسان باحتياجاته الظاهرية أو الجسدية، فمثلا استهلاك الإنسان بكمية مفرطة من المأكل والمشرب، وأيضا النوم بكثرة، والإنهماك بالأعمال اليومية، مما يؤدي للعجز وعدم القدرة على التركيز في الإحتياجات الباطنية والروحية. بناء على ذلك لابد على الإنسان من أخذ الحرص والتأكد التام من أن كل ما سيدخله في جسده من نعم الله تعالى قد نالها بالطريقة الصحيحة المشروعة، بالكمية المعقولة ومن غير إسراف ولا تبذير وأيضا عليه أن لا يتجاوز الحدود.
فمن هذا المنطلق، أدركنا جيدا لماذا شرع الله الصيام كفريضة وكركن من أركان الإسلام الخمس، فهذه الفريضة ليست مقتصرا على الأمة المحمدية فحسب، ولكن على الأمم السابقة أيضا، والحكمة من ذلك هو أن الصوم يحافظ الإنسان على أن يكون معتدلا في أسلوبه و في حياته، كما يحافظ على صفاء القلب والروح. فعندما يكون الإنسان غير مفرطا في طعامه وشرابة وجميع إحتياجاته الجسدية الأخرى، فهذا بحد ذاته يستعيد للإنسان نشاطه الباطني والروحي، وبالتالي سيتم تنظيف القلب تدريجيا من جميع الشوائب. ففي تلك الأثناء أيضا سيستعيد الإنسان من تلقاء نفسه نشاطه العقلي والذهني حتى يتمكن بكل سهولة من استقبال واستيعاب جميع ما وهبه الله من المعارف وغيرها من الإحتياجات الباطنية. فليس من سبيل المبالغة عندما أشار علماء اللغة العربية عن هذا الموضوع قائلا: الضمير هو أعرف المعارف بعد لفظ الجلالة.
وبعد أن عرفنا وفهمنا أن كلمة الضمير هو المرادف أو الأقرب لكلمة القلب، بإمكاننا أن نقول بأن الأشخاص الذين لديهم نظرة جيدة في فهم حقائق الحياة هم الأشخاص الذين يمتلكون القدرة الجيدة أيضا في تنظيف وتنشيط ضمائرهم بشكل مستمر، كما أن أفضل وسيلة لصفاء القلب والروح وتنشيط العقل هي من خلال المداومة على الصيام. والله أعلم بالصواب.
محمد أولي النهى. عميد كلية أصول الدين والدعوة. جامعة علوم القرآن جاكرتا.